الفحوص الجينية: أحياناً مفيدة، عادةً مضللة

كان “الفحص الجيني” قبل وقت ليس بعيداً مقتصراً على اضطرابات نادرة لها بشكل عام جينة واحدة، مثل الحَثَلُ مِنْ نَمَطِ دوشين (وهو ضمور عضلات يبدأ في الطفولة)، أو داء هَنْتِنْغتُون (وهو اضطرابٌ مترقٍ في الجهاز العصبي يبدأ بالتأثير على الناس في منتصف العمر عادةً)، وتُشَخَّصْ مثل هذه الحالات بفحوص جينية يمكن ايضاً استخدامها في الفحص الجموعي للناس الأصحاء الذين توحي سوابقهم العائلية بأن فرص اصابتهم بالاضطراب المعني هي أعلى من المعدل العام، بغية إرشاد خططهم العائلية المستقبلية

ولكن، لا يمكن عزو معظم الأمراض إلى خلل جينة مفردة، بل ينجم المرض عادةً عن تفاعل خَطَر عدد من الجينات، وعن تفاعل هذه الأخطار الجينية مع عوامل بيئية؛ فيظهر المرض فقط عند وجود تركيبة حرجة من تفاوت الخطر الجيني ومن العوامل البيئية [1]

رغم تعقيد نَسْب مُعظم الحالات إلى جينات زائِغة أو شاذَّة، يُمَجِّدُ الاعلام ومروجو الفحوص الجينية التي تباع مباشرةً للمستهلك سهولة ومناقب اجراء بروفيل الخطر الجيني عن طريق تحليل الـ

DNA؛ فكل ما يلزمك عمله هو ارسال عينة من لعابك إلى شركة تأخذ نقودك وترسل لك البروفيل، ولكن يرجح أن المعلومات التي تتلقاها لن تُفِيدكَ – ولن تفيد طبيبك – في استنتاج أية توقعات معقولة حول خطر إصابتك بمرض ما، ناهيك عن عدم فائدتها في ارشادك إلى ما يمكن عمله بخصوص ما قَدَّمَتْهُ لك، إذا كانت قد قدمت أي شيء. من الواضح أن هذه المقاربة لا تحقق معايير اختبارات الفحص الجموعي المفيد، ولكنها تثير عندك القلق والتردد، وقد تكون لها انعكاسات أوسع فتؤثر مثلاً على أفراد أسرتك أيضاً. وكما قال أحد الصحفيين الصحيين الاسترالييين “يشكل سوق الفحوص الجينية إحدى أحدث الجبهات التي تجابه أي شخص متوجس من الزحف التطبيبي للحياة؛ حيث قد تساعد تكنولوجية غير مؤذية ظاهرياً على تحويل ناس أصحاء إلى مرضى خائفين تمت إعادة تعريفهم فصاروا مجرد تأهبات جينية عديدة للأمراض وللموت المبكر[20]